برنامج الفضاء المصري
ومشروع مصر سات
أ.د. مسلم شلتوت
بعد غزو الإنسان للفضاء الخارجي بإطلاق أول قمر صناعي سبوتنك 1 السوفيتي في 7 أكتوبر 1957 اتضح أهمية امتلاك تكنولوجيا الفضاء لخدمة علوم الفضاء الأساسية (فيزيقا وديناميكا الفضاء) أو علوم الفضاء التطبيقية (الاستشعار عن بعد) ودراسة المواد الجديدة والبيولوجيا في حالة انعدام الوزن ومجالات البث الإذاعي والتليفزيوني والاتصالات اللاسلكية وغيرها.
وكانت مصر هي أول من ابتدأ علوم الفضاء الأساسية في أفريقيا والشرق الأوسط عن طريق المنظار 30 بوصة والذي ابتدى العمل به عام 1905 في حلوان (مرصد حلوان) وكذلك رصد ومتابعة الأقمار الصناعية بالتلسكوبات البصرية ثم الكاميرات الفوتوغرافية في بداية الستينات في القرن العشرين والتي تطورت إلى رصد ومتباعة الأقمار الصناعية بأشعة الليزر بدقة عالية في حلوان بالتعاون مع التشيك. كما أن مصر كانت من أوائل الدول على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط التي استخدمت الاستشعار عن بعد في خدمة المشاريع القومية وذلك بإنشاء مركز الاستشعار عن بعد بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا عام 1972 والذي تم تطويره وأصبح الآن الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء. وكانت مصر من أوائل الدول العربية والشرق أوسطيـة فـي استخـدام تكنولوجيا الفضاء في البث الإذاعي والتلفزيوني (نايل سات).
ونظراً لأهمية البيانات التي كانت تستقيها الهيئة ومراكز الاستشعار المختلفة بالجمهـورية مـن الأقمار الصناعية الأجنبية كالقمر الصناعي الأمريكي لاندسات land Sat والقمر الصناعي الفرنسي سبوت Spot للمشاريع البحثية والقومية، ونظراً لارتفاع تكلفة هذه البيانات والتي بلغت حوالي 30 مليون جنيه مصري في العام الواحد بجانب التبعية للجهات الأجنبية التي تملك هذه الأقمار الصناعية وتعرض عملية التزويد بالبيانات المطلوبة للتقلبات السياسية كان التفكير في برنامج فضائي مصري للاستخدامات السلمية في الفضاء الخارجي، وذلك عن طريق الدخول في تكنولوجيا تصنيع الأقمار الصناعية بالتعاون مع دولة أجنبية صديقة تقبل تدريب كوادر مصرية شابة في هذا المجال يمكن من خلالها نقل تكنولوجيا تصنيع الأقمار الصناعية ثم توطينها وتطويرها.. وقد شهد عام 1996 عقد المؤتمر الدولي الدوري في مجال علوم الفضاء الأساسية بالقاهرة تحت إشراف أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ومكتب الأمـم المتحـدة للاستخدامـات السلمية للفضاء الخارجي بفيينا ووكالة الفضاء الأوربية ESA.
وفي عام 1997 تم عقد ورشتي عمل أحدهما بجامعة القاهرة والأخرى بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا لتحديد الطريق الأمثل لبداية عمل برنامج الفضاء المصري. وكان عام 1998 هو بداية الطريق .. حيث صدر قرار وزير التعليم العالي والدولة لشئون البحث العلمي بإنشاء مجلس علوم الفضاء ولجانه المختلفة والتي انتهت إلى أن نسب طريق للدخول في تكنولوجيا تصنيع الأقمار الصناعية هو التعاون مع دولة أجنبية صديقة تقبل تدريب الكوادر المصرية الشابة في هذا المجال وذلك للتصنيع المشترك لقمر صناعي ميكروستاليت يحمل كاميرتين للتصوير أحدهما في الأشعة المرئية والآخرى بالأشعة تحت الحمراء القريبة. وكانت هناك عروض من عدة دول مثل روسيا (60 مليون دولار) وبريطانيا (4 مليون دولار) وأوكرانيا (20 مليون دولار)، وكان أنسبها للجانب المصري هو العرض الأوكراني حيث وافق على تدريب ثلاثين مهندس شاب مصري على نقل تكنولوجيا تصنيع الأقمار الصناعية بجانب ملائمته للنواحي المالية للبرنامج المصري للفضاء.
وكان القمر الصناعي الأول هو Egypt Sat 1 أو مصر سات 1 ، والذي ابتدأ العمل فيه عام 2001 بالمواصفات التالية :
1ـ ارتفاع القمر عن سطح الأرض بمقدار 670 كيلو متر.
2ـ يزن القمر 170 كيلو جرام.
3ـ قوة التمييز لكاميرات التصوير 8 متر.
4ـ كاميرات التصوير إحداها تعمل في مجال الأشعة المرئية والأخرى في مجال الأشعة تحت الحمراء القريبة.
5ـ العمر الافتراضي خمس سنوات.
6ـ يدور حول الأرض مرة كل ثمانية ساعات، ويعود لنفس المكان فوق سطح الأرض بعد 72 ساعة .. أي أنه يمر على مصر مرتين في اليوم أحدهما في الصباح والأخرى في المساء.
وكانت تكلفة هذا القمر بسيطة إذا ما قورنت بالمهام التي سيقوم بها وهي:
1ـ تصنيع القمر الصناعي (6 مليون دولار).
2ـ إطلاق القمر الصناعي (4 مليون دولار).
3ـ التأمين على القمر الصناعي (مليون دولار).
أما مهام القمر الصناعي مصر سات 1 فهي :
1ـ تصوير الصحاري المصرية للتعرف على البيئة وجولوجيا الصحراء.
2ـ مراقبة عمليات التصحر في الأراضي الزراعية الجديدة المستصلحة.
3ـ مراقبة مخرات السيول وعدم قيام أي عمران بداخلها حتى لا تحدث كارثة نوفمبر 1994.
4ـ اختيار المواقع العمرانية الجديدة والتجمعات السكانية داخل الصحراء.
5ـ مراقبة الاعتداء والبناء على الأرض الزراعية القديمة داخل الدلتا ووادي النيل.
6ـ مراقبة التلوث في البحار والخلجان المحيطة بمصر الناتج من السفن الأجنبية عند تفريغ مخلفاتها في المياه الإقليمية.
7ـ مراقبة الأوبئة الزراعية من الفضاء الخارجي لتحديد كيفية مقاومتها ومنع انتشارها.
8ـ مراقبة أسراب الجراد وطرق التصدي لها وذلك بالإنذار المبكر بقدومها.
9ـ عمل تفنيد للأراضي الصالحة للزراعة في الصحراء على أساس الجودة وسبل توفير مياه الري لها.
10ـ مراقبة الشواطئ من النحر وتحديد تقدم البحر على اليابسة.
إذن فإن تكلفة تصنيع القمر الصناعي مصر سات1 وإطلاقه والتأمين عليه وتدريب الكوادر الشابة بأوكرانيا وإنشاء محطة التحكم فيه بالتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة هو 21 مليون دولار وهو مبلغ لا يقاس بمقدار البيانات التي سيتم الحصول عليها من مصر سات 1 بجانب التحرر من التبعية للجهات الأجنبية للحصول على تلك البيانات وثمنها الذي تجاوز 30 مليون جنيه مصري في العام الواحد.. أما الجانب المهم والأهم فهو نقل تكنولوجيا تصنيع الأقمار الصناعية وتوطينها وتطويرها بكوادر وطنية.
لقد انطلق القمر الصناعي المصري مصر سات 1 بنجاح من قاعدة فضائية بكازاخستان على صاروخ روسي يوم الثلاثاء 17 إبريل 2007 وسوف يبقى هذا اليوم في ذاكرة ووجدان كل مصري حيث أنه يمثل عبور لمصر ودخولها إلى نادي الفضاء الخارجي والذي أصبح من لا يجد مكان له فيه .. فسوف لا يكون له وجود على الأرض خلال العقود أو القرون القادمة.. حيث أصبح الفضاء مرتبط بالأمن القومي ارتباطاً وثيقاً.
وإن كانت نسبة المشاركة في التصميم والتصنيع للجانب المصري في مصر سات 1 لا تزيد عن 30% فإن هذه النسبة سوف تزيد إلى 60% في القمر الصناعي مصر سات 2 ، والمقرر إطلاقه عام 2012 ليحل محل مصر سات حيث ارتفعت الكوادر الشابة المصرية المدربة إلى أكثر من 64 مصري في كافة التخصصات اللازمة لعملية التصنيع، كما أن المكون المحلي (المصري) سوف يزداد بكمية كبيرة في مصر سات 2 وذلك بإنتاج مكونات بمواصفات فضائية داخل الهيئات والشركات المصرية والتي ارتبطت بإنتاج مكون لخدمة برنامج الفضاء المصري وارتفاع ما يسمى بثقافة الدقة وإنتاج المكونات الدقيقة.
ومن المتوقع أن تزداد المشاركة والتصنيع في القمر الصناعي الثالث مصر سات3 لتصل إلى 80% من الجانب المصري وبمكون محلي أعلى والذي سيتم إطلاقه عام 2017 حسب برنامج الفضاء المصري. وسيتميز هذا القمر بحمله رادار محمول للاستفاد منه في تصوير ما هو تحت سطح الأرض ولو بأمتار قليلة.
إن المعامل التي تم إنشاؤها لخدمة برنامج الفضاء المصري والأخرى التي تحت الإنشاء تمثل حجر الزاوية بجانب الكوادر المدربة في تصنيع أقمار صناعية متعددة الأغراض بخبرة مصرية مائة في المائة بعد عام 2017. أن محطة التحكم بالتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة ومحطة استقبال البيانات بأسوان تمثلان دعم قوي لبرنامج الفضاء المصري والذي نأمل في أن يتحول إلى وكالة فضاء مصرية مستقلة في إدارتها وميزانيتها وأن ينال هذا البرنامج كل الدعم المادي والمعنوي من الدولة.