مقدم المحتوى : المتحدة للبرمجيات
ونصف هذا العصر بعصر الصواريخ . واصدق من هذا أن نصفه بإنه عصر الصواريخ Rockets والالكترونيات Electronics والآلات الحاسبة Computers معا .
أن التكنية لعبت دورا عظيما في بناء الصواريخ، ولكن الالكترونيات ركبت لهذه الصواريخ أعينا تصيب بها . أنك ترسل الصاروخ، بلا أجهزة توجيه ولا ضبط مسار، فيذهب الصاروخ في الهواء، أو في الماء، أعمى، أن أصاب هدفا، فحمدا لله، وأن لم يصب، فما على الأعمى من عتاب .
أن الالكترونيات ترسم للصاروخ المجال الذي يجب أن يسير فيه . وبالالكترونيات نحس به إذا هو حاد . وبالالكترونيات، يصدر الجهاز من ذات نفسه أوامر لحركات تجري في الصاروخ من شأنها أن تصلح ما اختل من مساره .
ومن هذه الأجهزة ما كأنه يصوب بصره على الهدف كما يصوب الرجل عينه . والهدف يتحرك، والصاروخ وراءه . ولن يفلت منه حتى يلتقي به . وهو التقاء الدمار .
وأجهزة التوجيه صنفان، صنف كامل التوجيه، يحس بالخطأ من ذات نفسه، ومن ذات نفسه يصححه، وهذا هو التوجيه الذاتي، ويعرف باسم Inertial Guidance كما سبق أن ذكرنا وكررنا . وصنف آخر يعين فيه رجال مختصون بذلك، قابعون في مراكز خاصة بالأرض . هم يرقبون ويرقمون ويحسبون، ويدركون الخطأ . ومن كل هذه الأرصاد ينتهون إلى نوع التصحيح ومقداره، ثم هم يرسلون أوامرهم إلى أجهزة الصاروخ الضابطة فتتحرك وفق ما يريدون وبالقدر الذي يريدون .
وكل هذه حسابات لابد أن تتم في ثوان . وهنا يأتي مكان الآلات الحاسبة . أنها تأتي بجواب أعقد المسائل في أقصر وقت .
فلولا هذه الحاسبات الحسابات ما أمكن ملاحقة صاروخ في مسيره .
ونزيد هذه المعاني تفصيلا فنقول :
أن الجديد والاهم، والأخطر في أمور هذه الصواريخ هو أمكان هديها وقيادتها وتوجيهها حتى تحط على الهدف الذي هي تريده .
أن الصاروخ عندما يطلق، يطلق بقدر الإمكان في الاتجاه الذي يؤدي به إلى غايته، بعد حساب كل العوامل التي سوف تعمل فيه . وهذه العوامل تتألف من المحرك الصاروخي وهو يعمل، ثم جاذبية الأرض بينا المحرك الصاروخي يعمل ومن بعد أن يتوقف . والبرنامج الذي يغذى به جهاز التوجيه في القذيفة الصاروخية يتضمن الوقت الذي يبطل فيه عمل محرك الصاروخ تأخذ الجاذبية تعمل وحدها في القذيفة تماما كما تعمل الجاذبية في حجر ترميه في الهواء ثم هو يعود فيسقط إلى الأرض .
ولكن هناك الريح التي قد تهب فتؤثر في سير القذيفة الصاروخية . وهناك جسم الصاروخ، فقد لا يكون متماثل الشكل حول محوره وإذن هو يميل عن جانب إلى جانب . حتى فوهة الصاروخ قد لا يكون تماثلها كاملا فيخرج الغاز مندفعا منها فيميل بها وبالصاروخ عن خط سير محور الفوهة الذي هو في نفس الوقت محور القذيفة الصاروخية .
كل هذا الميل يحتاج إلى تصحيح . وهو قبل التصحيح يحتاج إلى أن يكشف عنه وان يقدر .
ولهذا طريقتان :
طريقة التوجيه التلقائي Automatic or Inertial Guidance وطريقة التوجيه من الأرض كما ذكرنا .
أما الطريقة الأولى فتتضمن مرجعا يكون في الصاروخ ثابت الاتجاه لا يتأثر بحركة الصاروخ، وبه يقارن المسار الواقع القائم فعلا، لينكشف بذلك الانحراف أن كان وقع . والذي يقوم بهذا الكشف أدوات حساسة يحملها الصاروخ نفسه Sensors . والذي تجده هذه الأدوات الحساسة تنقله إلى الآلات الحاسبة Computers وهي تقارنها بالمسار المرسوم وتقدر مقدار الانحراف أن كان، ثم هي ترسل كل هذا إلى آلات الضبط والربط، وهي تحرك الدفات ( التي بفوهة خزانة الاحتراق بالصاروخ ) إلى أي من الاتجاهات الأربعة، فتغير بذلك من اتجاه الغازات الخارجة المندفعة، فترد بذلك الصاروخ إلى مساره الصحيح .
وهذه الأدوات كلها والآلات توجد مع الصاروخ في التوجيه الذاتي الكامل .
وقد يشارك في التوجيه بعض رجال في الأرض، يرقبون حركة الصاروخ، ويكون معهم بعض هذه الأدوات، كالحاسبات وغيرها، وعندئذ هم يرسلون أوامر هذه الحاسبات إلى آلات تعديل اتجاه الصاروخ، بتعديل دفاته، وهي بالصاروخ نفسه .
ويتضح من كل هذا اعتماد التوجيه على ثلاث : التكنيات في تصميمه، والالكترونيات، والحاسبات في توجيهه .
اجتمعت هذه الثلاث في عصر واحد، ولو تخلف إحداها ما كان للصاروخ مثل هذا الخطر .
بقى أن نتحدث عن آلات الضبط والربط التي تنتهي بتحريك الدفات الداخلة في فوهة الغازات .
ولنضرب مثلا لنوع من هذا التوجيه الذي يساعد القذيفة على الالتقاء بالهدف الذي يراد تدميره . فهذه طائرة العدو في السماء . وقد أطلقنا إليها أشعة رادار فانعكست عليها وارتدت إلينا، ونحن نظل بالرادار نتابعها . وقذفنا بالقذيفة الصاروخية إليها، وربطناها بشعاع من رادار آخر مرتد كذلك إلينا . ومن الرادارين تذهب المعلومات إلى الآلات الحاسبة وهي تقدر في أقصر وقت كم يجب أن ينحرف الصاروخ حتى يلتقي بالطائرة . وهي ترسل الأمر بمقدار هذا الانحراف الذي ينحرفه الصاروخ لصندوق البث اللاسلكي، وهذا ينقله إلى آلات التوجيه التي بالصاروخ فتتحرك وتطيع . ويلتقي الصاروخ بالطائرة ويتفجر فيها ويذهب بها .